30 - 04 - 2025

عرفت هؤلاء من رجال أكتوبر | السيد نجم .. مقاتلا وصاحب إسهام فريد في أدب الحرب

عرفت هؤلاء من رجال أكتوبر | السيد نجم .. مقاتلا وصاحب إسهام فريد في أدب الحرب

في حي العباسية بمدينة القاهرة استقبل السيد نجم أول نسمات الحياة؛ لأسرة من الطبقة الوسطى التي كانت تهتم بتعليم أولادها، وقد غزاه حب القراءة في الأدب والفكر والعلوم منذ صغره، واستفاد من الواقع الثقافي يومئذ، وقد كانت ثورة يوليو 1952 أم الثورات في العالم الثالث، وقد اهتمت بالثقافة وأنشأت العديد من الهيئات الثقافية ووفرت الكتاب بثمن زهيد لكل أطياف الشعب.. 

تميز الدكتور السيد نجم خلال مراحل حياته المختلفة، وصار أحد وجوه المشهد الثقافي، وله العديد من المؤلفات التي تنوعت بين الإبداع والنقد، وقد كان من أوائل النقاد الذين نظروا لأدب الحرب وأدب المقاومة، وأجاب عن هذا الموضوع بمجموعة كتب ودراسات، نذكر منها: ومنها: "الحرب: الفكرة – التجربة - الإبداع"، "المقاومة والأدب"، "المقاومة والحرب في الرواية العربية"، "المقاومة والقص في الأدب الفلسطيني، الانتفاضة نموذجا"، "الطفل والحرب فى الأدب العبري"، و"ثورة 25 يناير.. رؤية ثقافية ونماذج تطبيقية" "أدب المقاومة في الفكر والإبداع" ، "أطياف إبداعية في مواجهة العنف" عدا عن عشرات القصص والروايات التي تناول في كثير من جوانبها المقاومة عن طريق الحرب والثورة.

شارك السيد نجم في حرب أكتوبر في سلاح الخدمات الطبية الذي يتبع هيئة الإمداد والتموين وقد تحدثنا في مقال سابق في هذه السلسلة عن دور هيئة الإمداد والتموين في حرب أكتوبر، وقد كانت هذه السنوات التي أمضاها في القوات المسلحة لها صداها في أدبه بعد ذلك، وقد التقيناه ليحدثنا عن مشاركته في هذه الحرب المجيدة وعن دور سلاح الخدمات الطبية وعن أثر الحرب في أعماله الإبداعية وتنظيره لأدب المقاومة ... 

* حدثنا عن النشأة وكيف كان لها الأثر في حياتك بعد ذلك؟

النشأة فى حي العباسية بالقاهرة، وهو حي يتسم بكونه من الأحياء الجديدة فى الخمسينيات، وله سمة الجمع بين الثلاث طبقات الاجتماعية.. العباسية الغربية تضم القصور ومنها مبنى كلية هندسة عين شمس حالياً، وطبقة متوسطة للموظفين، ثم منطقة الوايلي التي تضم سوق الحي والطبقة الفقيرة غالباً.. كانت السينما لها دور مهم سواء الصيفية أو الشتوية كمصدر للثقافة وعن تجربتي الخاصة، حرص أبى على توفير سلسلة كتاب اخترنا للطالب وللفلاح وللعامل؛ وهى سلاسل بقرش ونصف القرش للعدد وتوفر ثقافة مبسطة.. وكانت بدايات القراءة.. ثم جاء التعرف على عالم سور الأزبكية حيث الكتاب بقرش صاغ واحد وهكذا.. حتى تعرفت على فن القصة من أحد الكتب للكاتب الروسي ماكسيم جورجي، ومنذ تلك الفترة تعلقت بالقصة والرواية حتى بدأت فى كتاباتها.

*متى جندت في القوات المسلحة وفي أي سلاح التحقت وكيف تتذكر أول يوم لك في الحياة الجديدة؟

- تم تجنيدي فى بداية عام 1971، والطريف هنا أنه تم تجنيد كل دفعة التخرج، وشكلنا فصائل معا فى مركز تدريب الخدمات الطبية، حيث كانت الأوامر فى تلك الفترة هو تجنيد كل الخريجين فور تخرجهم. وربما من المفارقة أنه على الرغم من كل التحمس الذي كنا عليه في الكلية وفي أول يوم وصلت فيه مركز تدريب االخدمات الطبية انتابني شعور غامض، وتساءلت هل هؤلاء وكل من حولى من شمال البلاد وجنوبها، ممن يرتدون البدل والجلباب وعلى كل تلك اللهجات ويحفهم جميعا التهريج والنكات القبيحة والسياسية. هل هم الموكل لهم تحرير الأرض؟ وبالفعل خاب ظنى وكانوا هم من وكلهم الله لتحرير الارض بعد سنتين ونصف فى أكتوبر 73، هم عينة من الإنسان المصري المختلف أو المحب للحياة بالرغم من كل المنغصات، وليس في هذا الكلام شوفونية ولكنها الحقيقة التي عشتها أثناء المعارك وما قبلها اثناء حرب الاستنزاف.

* شاركت في حرب أكتوبر ذكرياتك عن أيامها بحلوها ومرها؟

-هذا السؤال محير وصعب، ولكن أظن أنني تناولت الكثير منها فى روايتي "السمان يهاجر شرقا"، و"خصار الحمام الأبيض"، وأيضاً فى مجموعات القصص "أوراق مقاتل قديم"، ونصف مجموعة "عودة العجوز الى البحر"، بل وفى غيرها فى أغلب ما كتبت وإن تم ذلك بشكل غير مباشر.. اعتقد أن تجربتي في تلك الفترة هي تجربة عمري ولم تنس حتى اليوم.

* ما دور سلاح الخدمات الطبية كإدارة في هيئة الإمداد والتموين في هذه الحرب المجيدة؟

- سلاح الخدمات الطبية هو فرع من هيئة الإمداد والتموين بالقوات المسلحة، وهو السلاح الذي يعمل ليل نهار في السلم والحرب على كل مستويات الصراعات السياسية وغير السياسية، وهو ما عشته وشاركت فيه خلال تجربة معارك أكتوبر73 وما قبلها وما بعدها.. فلما اندلعت المعارك كانت القصص الإنسانية والبطولات الحقيقية التي بلا ادعاء ولا تفاخر.. ووجدت الإجابة عن أسلتي حول إمكانية هؤلاء المجندين في الصمود حتى تحرير الأرض.. نعم وتعدد البطولات حتى تحررت الأرض.. والقصص كثيرة منها ذلك الجندي الذي وصل الوحدة مكسور عظام القدم، وصنعت له جبيرة مؤقتة حتى يتم نقله إلى القاهرة بعد دقائق لعمل أشعة ويتم التجبيس المناسب.. إلا أنه رفض وقرر العودة إلى زملائه ورفض الذهاب إلى القاهرة.. نهرته وبعدها إذا بجندي التمريض يخبرني بأن الجندي المصاب هرب من العنبر.. أسرعت للحاق به به وجدته يسير وهو يعرج على الطريق الإسفلتية في اتجاه مدينة السويس.. مع العلم أنها تبعد 20 كم من المستشفى الميداني كما أن وحدته على بعد 10 كم من خط القناة.. ولا أجد ما أقوله كلما سمعته يبرر إصراره على العودة إلى وحدته، قائلاً: (أنا عايز أرجع لزملائي)؟!

* كيف ترجمت هذه الحروب في أعمالك الإبداعية والفكرية؟

- لقد تم كتابة تلك التجربة على  شكلين.. الأول إبداعي فى روايتين ومجموعتين من القصص وفى عدد من كتب الطفل التي تتناول التجربة نفسها.. وأيضا تناولت التجربة بالتنظير لمصطلحي "أدب الحرب"، و"أدب المقاومة"، وقد أخلصت لهذا الجانب التنظيري على مجمل أشكاله حتى كتبت حوالى ثمانية كتب، ولعلي الوحيد في العالم العربي الذى أعطى هذا الجهد التنظيري لأدب التجربة الحربية وأدب المقاومة تنظيرياً.

* أدب الحرب وأدب المقاومة.. كنت من أوائل الذين نظّروا لهذا النمط من الأدب كيف كانت التجربة وإلى أي مدى تطور وسار في مساره؟

- بعد انتهاء المعارك واحتكاكى بالواقع الثقافي، لاحظت اعتراض نقاد، الغالبية منهم يرفضون مصطلح أدب الحرب، ويبررون ذلك بأننا سوف نقول بأدب البحر وأدب الشارع والحارة.. ولكن بمرور الوقت ومع تجربتى في نشر أول ثلاثة مقالات بمجلة القاهرة القديمة وبطريقة لافتة.. تشجعت ونشرت كتابا وهو أول كتاب تنظيري لأدب الحرب ..(الحرب: الفكرة – التجربة - الإبداع) وعن هيئة الكتاب، حتى أن الناقدين الكبيرين د. يوسف نوفل ود. محمد حسن عبدالله ناقشا الكتاب فى الاذاعة وقالا عنه إنه يعتبر أول رسالة ماجستير عن أدب الحرب.. ومن بعد حصل البعض على دكتوراه فى أدب الحرب، وكذلك تم مناقشة أربع رسائل ماجستير عن رواياتى من خلال فكرة المقاومة والحرب.. والآن لم يعد المصطلح محل حيرة كما كان.. بل راج ويبقى أن يتم تداوله كما شرحت له من معانى ودلالات فى كتبي مثل كتاب (أدب المقاومة.. تنظيرياً وإبداعياً)...
---------------------------------
بقلم: أبو الحسن الجمال
* كاتب ومؤرخ مصري